الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقرأ بعض الآيات فأتفاءل أو أتشاءم.. فما تعليقكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسمع دائمًا آيات من القرآن، وأشعر أنها إشارة لي، وأكثر الآيات التي تتكرر لي هي: ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى﴾، و ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾.

وعندما أسمع الآية الأولى أعتقد أن الله يبشرني بإجابة دعائي فأفرح، وعندما أسمع الآية الثانية أعتقد أن دعوتي شرٌّ لي، فأشعر بالتشتّت ولا أعرف هل أكمل دعائي أم أنه شرٌّ لي، فلا أدعو به.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مهاب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله تعالى أن يُقدِّر لك الخير حيث كان ويرضِّيك به، وأن يصرف عنك كل سوء ومكروه.

وابتداء: نوصيك -أيها الحبيب- بأن تُقوِّي اعتمادك على الله تعالى، وتُحسن التوكُّل عليه، وتعلم أن الأمور كلها من عنده سبحانه وتعالى، وأنه لا يأتي بالحسنات إلَّا الله، ولا يدفع السيئات إلَّا الله، وأن كل شيءٍ قد قدَّره الله تعالى قبل أن نخرج إلى هذه الدنيا، فلن يُصيبك إلَّا ما كتبه الله لك، ولا يمكن أن تنال شيئًا لم يُقدِّره الله تعالى لك، فكن مطمئنًّا، هادئ البال، قال الله تعالى في كتابه الكريم: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد:22-23].

واعلم بأن حُسن التوكُّل على الله تعالى من أعظم الأسباب الموصلة إلى الأرزاق الحسنة، فقد قال الرسول الكريم ﷺ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يُرْزُق الطَّير» ففَوِّض أمورك إلى الله، وخذ بالأسباب المشروعة للأشياء التي تحبها وتحرص عليها من منافع الدنيا أو منافع الآخرة.

وأمَّا تفاؤلك واستبشارك عندما تسمع آية من القرآن، أو تشاؤمك؛ فهذا الفعل لا ينبغي أن تفعله، فلا تتفاءل ولا تتشاءم بمجرد فتح المصحف أو سماعك لآية معيَّنة، فلم يجعلها الله تعالى علامةً على ذلك، وليست رسالة إليك لتخبرك أو لتنبئك بهذا الذي فهمته أنت، وقد كان السلف والعلماء يَنهون عن التفاؤل بالمصحف، فقد منع منه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ونُقل عن الإمام المالكي المشهور والمفسر الفقيه ابن العربي بأنه حرام، وبعضهم يذهب إلى أنه مكروه فقط، وهذا يؤكد لك أن ما تفعله أنت ليس صوابًا، ولا ينبغي أن تفتح على نفسك هذا الباب.

وواضح أيضًا أنك تستعمل هذا التفاؤل أو هذا التشاؤم في غير محلِّه وموضعه، فإنك تتشتت وتتردَّد: هل تُكمِّل الدعاء أو لا تُكمِّل بسبب سماعك لهذه الآية أو تلك، وهذا خطأ بيِّن، ينبغي أن تعلم أحكام ما أنت مُقدمٌ عليه من خلال معرفتك بحكم الشرع، هل الدعاء بشيءٍ فيه مصلحة دينية أو دنيوية؛ ينبغي أن تدعو به، وتسأل ربك أن يُقدِّر لك الخير، وإذا كان الدعاء بغير ذلك، فينبغي أن تجتنبه.

فاسأل ربك كل شيءٍ من منافع دنياك ومنافع آخرتك، كما جاء في الحديث: «حتى شِسْعَ نَعْلِك»، اسأل ربك ملحَ طعامك، وشِسْع نعلك، فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء، اسأل الله تعالى الأمور وإن كانت كبيرة عظيمة في نظرك، فإنها في حق الله تعالى سهلة يسيرة؛ لأنه إذا أراد شيئًا إنما يقول له كُنْ فَيَكُون.

أحسن ظنَّك بالله تعالى، واعلم أنه لا يُعجزه شيء، ولا يُنقص ملكه شيء، اسأله وأنت موقن بأنه سيُجيبُك، وأنه سيُعطيك، فهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، توكَّل على الله تعالى، وخذ بالأسباب، واعلم أن ما قدَّره الله تعالى لك سيأتيك، وأنك لن تُدرك أبدًا رزقًا لم يُقدِّره الله تعالى لك، وأنه لن يُصيبك مكروه لم يقدِّره الله تعالى عليك.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً