الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالضياع والخذلان والابتلاء بعدم استجابة الدعاء!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشعر بالضياع والخذلان، فكل محاولة باءت بالفشل، حتى العلاج النفسي، رغم أنني أحاول دائمًا التقرب من الله، إلا أنني أشعر وكأنه يدفعني بعيدًا، وقد ابتلاني الله بالوحدة، فلا صديق لي، أهلي طيبون جدًا، لكنهم لا يستطيعون مساعدتي.

دراستي التي كنت متفوقة فيها، أصبحت غير قادرة على المذاكرة، الأشخاص الذين أساؤوا إليّ وآذوني، يعيشون في سعادة وهناء، بينما أنا أعيش في شقاء، وكأنني من آذيتهم وليس هم من آذوني.

دعوت الله في كثير من الأمور، ولم تُستجب دعواتي، بل حدث لي ما هو أسوأ، أمور لا تفسير لها إطلاقًا.

أنا لست شخصًا يجهل الدين، بل على العكس، لكنني فقدت الأمل، ولم أعد أرغب في هذه الحياة، أنا أعاني، وأتساءل: لماذا يكرهني الله عز وجل هكذا؟ ليس فقط أن الدعاء لا يُستجاب، بل يحدث أسوأ ما يمكن تخيله.

على سبيل المثال: تم تقسيمنا إلى مجموعات، ولسبب بسيط نُقلت من مجموعتي، فكان رزق الله لمجموعتي القديمة بكل ما كنت أتمناه، بينما أنا هنا أعاني، دعوت الله أن يرزقني في هذا الأمر بأشخاص جيدين، كي نكون على خير، لكن ما حدث كان الأسوأ، مع أسوأ الأشخاص.

مطالبي في الدنيا ليست كثيرة، بل أنا لا أريد الدنيا أصلًا، أنا أتألم، ليس لدي من يساعدني، والآن لا أعلم كيف سأعيش، فقد تأكدت أن الله لا يحبني، وأنا لست من أولياء الله الصالحين حتى أُبتلى بهذا القدر.

أعاني منذ عشر سنوات، وكل من آذاني رزقهم الله فيما آذوني فيه، معلمة آذتني ارتفعت مرتبتها، صديقة تركتني وآذتني رزقها الله أصدقاء أكثر، وهكذا.

والله لم أظلم أحدًا، ولم أؤذِ أحدًا، بل أخاف أن أؤذي البشر فيعاقبني الله، لكن يا الله، ماذا فعلت؟ الله أعلم بي، وأنا أحبه، فلماذا يبعدني عنه؟ هل أنا شخص سيئ إلى هذا الحد؟ في حياتي كلها لم أظلم إلا نفسي بذنبي، وقد استغفرت الله، بل أصبحت مؤخرًا أستغفر كثيرًا، أترك هاتفي وأستغفر، أناجيه، وأفعل أشياء جميلة لم أكن أحلم أن أفعلها، كنت سعيدة؛ لأنني أصبحت قريبة من الله، لكنني أقول لله: يا رب، أنا أحبك، لماذا؟ أنت تدري أنني أحاول، لماذا؟

ساعدوني، لماذا لا يحبني الله؟ أستغفر الله، أنا أدري أنني لا أقدّم ولا أؤخّر، فادعوا لي بالهداية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان.

نتفهم حديثك وألمك، ونشعر بمعاناتك، ونود منك قراءة الجواب بنفس هادئة :

1) المعنى الشرعي العميق لما تمرّين به: الابتلاء ليس علامة كُره، فمحبة الله لا تُقاس بنعيم عاجل، ولا بضيق طارئ، قال تعالى:«أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ» فالفتنةُ تمحيص، لا إبعاد، وحكم الابتلاء للمؤمن كثيرة منها: رفع الدرجات مع الصبر، وتكفير السيئات، والرحمة المستورة لا نراها، ولكل شيء حكمة قد تعرف في وقتها وقد تتأخر، وعليه فلا يلزم أن نعرف الحكمة الآن؛ يكفينا اليقين أن الله أرحم بنا من أنفسنا.

- أما تأخُّر الإجابة، فلا يعني الرفض كما توهمت: فالدعاء يعطى على إحدى صور ثلاث (إما تعجيل، أو ادخار، أو صرف سوء)، فما تظنينه «ضدّك» قد يكون صرفًا لشر أكبر، أو إعدادًا لخير أعظم.

- وأما مشهد (نجاح من آذاك): فلا ينبغي أن يؤلمك، ولا أن تغترّي بتقلبهم في النعيم حتى وإن كانوا من أهل الفساد أو الزيغ، بل حتى وإن كانوا من الكافرين، فالله قد قال عن الكافرين:«لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ». فالعبرة بالخواتيم لا باللقطات.

- وأما جفاف المشاعر مع الطاعة، فقد يفسر على أنه طبيعي؛ لأنك في أول الطريق، فإذا ما سلكت الطريق وثبت على الحق؛ ذقت حلاوة التدين، فاثبتي على العمل وإن غاب الشعور اليوم، فستدركينه بعد ذلك.

2- ما ذكرته من فقدان الأمل، أو العجز عن الدراسة، أو الشعور بالظلم الكوني، وأن كل شيء ينعكس ضدك، كلها سماتٌ متوافقة مع الاكتئاب، وقد يتلوه وسواس وتقلبات في الشهية، والنوم، والتركيز؛ وهذا يعني أن جهازك العصبي مجهد، ويحتاج ترتيب الأولويات في حياتك، مع استحضار البعد التديني.

3- انتبهي جيدًا للمصائد التي يحصرك الشيطان فيها وهي:
- التعميم: «كل محاولة تفشل».
- المقارنة الجائرة: «هم سعداء؛ لأني شقيت».
- شخصنة القدر: «نُقلت من مجموعتي؛ إذن أنا مرفوضة».
انتبهي من ذلك بشدة؛ فهي أسس مغلوطة تقود إلى نتائج مرفوضة.

وفي الختام: نوصيك بقراءة كتاب مبسط في العقيدة، وخاصة باب القضاء والقدر، كما نوصيك بالنظر إلى من هم أشد منك بؤسًا لتعلمي فضل الله عليك، فأنت بالنسبة لإخوانك اللاتي فقدت جميع أهلهن في الحرب في عافية، وبالنسبة للمريضة التي لا تجد الدواء في عافية، ولو تطلعت بتلك العين لرأيت كثيرًا من نعم الله عليك.

نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً