الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شعور الذنب يلاحقني رغم نعمة الله علي بالتوبة وبزوج صالح!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أذنبت ذنبًا شديدًا جدًا، و-للأسف- استمررت عليه لسنوات، وكلما تبت رجعتُ إليه، إلى أن شاء الله وتبتُ توبة لا رجعة فيها، وبعدها رزقني الله بزوج صالح، وهو يراني زوجة صالحة، لكن شعور الذنب يلاحقني! أحيانًا أشعر أن هذا من مغفرة الله لي، وأحيانًا أشعر أنه من سخطه عليّ، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نهنئك بفضل الله تعالى عليك، ونعمته التي أنعم بها عليك حين وفقك للتوبة والثبات عليها، وهذا فضل عظيم، ونعمة كبرى.

ننصحك ونوصيك بكثرة الشكر لله تعالى على هذه النعمة العظيمة، ومن شُكر هذه النعمة: الأخذ بأسباب الدوام عليها والثبات عليها؛ وذلك باختيار الرفقة الصالحة من النساء الطيبات والفتيات الصالحات، وشغل الأوقات بما فيه نفع ديني أو دنيوي، نسأل الله تعالى أن يتمم عليك النعمة، ومن مظاهر الشكر: الحفاظ على فرائض الله تعالى التي فرضها عليك، والإكثار من العمل الصالح، والحذر واجتناب المحرمات.

ثم نذكرك ثانيةً -ابنتنا الكريمة- بفضل الله تعالى عليك حين رزقك هذا الزوج الصالح، وهذه نعمة أخرى من النعم الكبرى، فأكثري من شكر الله تعالى، وينبغي أن تكوني سعيدة مسرورة بفضل الله ورزقه ورحمته، وأنه -سبحانه وتعالى- رزقك الشيء الجميل، وساق إليك الرزق الحسن رغم أنك أسأت وعصيت، وهذا من لطفه -سبحانه وتعالى- ورحمته، وجميل صنعه، فهو اللطيف، الرحيم، الكريم، يُعطي الجميل مكافأةً للقبيح، ويستر القبيح ويظهر للناس الجميل، وهذا فعله معك ومعنا جميعًا، فأكثري من شكره -سبحانه وتعالى- على هذه النعمة.

ولا ينبغي أبدًا أن تجعلي من استذكار الذنب سببًا للقلق والهم المقيِّد لك عن الانطلاق في الطاعات والأعمال النافعة، هذا الشعور ينبغي أن تتركيه جانبًا، وتعلمي أن الرب الرحيم -سبحانه وتعالى- ليس بحاجة إلى طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، ولكنه حين ستر عليك فيما مضى، وألهمك الرشد والصواب بالرجوع إلى التوبة؛ فإنه أراد بك خيرًا، فهذه من علامات الخير، والله -سبحانه وتعالى- لا يَعظم عليه شيء، ولا يكبر عليه شيء.

فهو -جل شأنه-، كما أخبر عن نفسه في كتابه الكريم، يغفر الذنوب جميعًا، قال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، وقد غفر الله لكبار المجرمين الذين سبّوه وشتموه، وقتلوا أنبياءه، وحاربوا دينه، وأشركوا معه غيره، لكنهم حين تابوا غيّر الله تعالى أحوالهم، فصاروا من خيرة الناس.

فأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا عبادًا للأصنام، وأصبحوا أولياء الله وأحبابه وخيرة الناس، وهكذا في حال غيرهم من الناس، فلا ينبغي أبدًا أن تجعلي الشعور بالذنب سببًا لهذا النوع من القلق والتقييد عن الأعمال الصالحة.

إنما يُستحب أن يتذكر الإنسان ذنبه ليكون ذلك دافعًا له نحو شُكر الله تعالى على ستره، وشُكره تعالى على التوفيق إلى التوبة، وشُكره على الإمهال إلى أن تاب، والشعور بأنه بحاجة إلى الله تعالى ليحفظه ويعصمه من شر نفسه ومن شر الشيطان، وبتذكره للذنب ينبغي أن يكون باعثًا لنفسه على الزيادة من العمل الصالح، فإذا كان تذكُّر الذنب يبعث على هذه المعاني الجميلة والأعمال النافعة، فهو شيء حسن، وإلَّا فهو من الشيطان، يحاول أن يُكدِّر عليك عيشك، ويُدخل الحزن إلى قلبك، فلا تلتفتي إليه، فإن أقصى ما يتمناه الشيطان هو أن يجعلك تعيشين حياة مِلْؤها التعاسة والخوف والقلق والندم والحزن، كما قال الله تعالى عنه في كتابه الكريم: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، فلا تلتفتي إلى ذلك.

كل ما نراه من أحوالك -أيتها البنت الكريمة- نرجو أن يكون أمارة وعلامة على أن الله تعالى يريد بك الخير، وأنه -سبحانه وتعالى- ساق إليك الرزق الحسن بالزواج، والزوج الصالح، ووفقك للتوبة؛ لأنه -سبحانه وتعالى- يريد بك الخير، وليس أمارة على عكس ذلك.

فاشكري نعمة الله تعالى عليك، وحاولي أن تفعلي بما قلناه من قبل من مظاهر شُكر هذه النعم.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً