فصل
وأما قوله عن أهل السنة : .
إنهم يقولون : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينص على إمامة أحد [1] وإنه مات عن غير وصية [2] .
فالجواب أن يقال : ليس هذا قول جميعهم ، بل قد ذهبت طوائف من أهل السنة إلى أن إمامة أبي بكر ثبتت بالنص [3] ، والنزاع في ذلك معروف في مذهب أحمد وغيره [ من الأئمة ] [4] .
[ ص: 487 ] وقد ذكر القاضي أبو يعلى [5] في ذلك روايتين عن [ الإمام ] [6] أحمد : إحداهما أنها ثبتت بالاختيار [7] . قال : " وبهذا قال جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والأشعرية " ، وهذا اختيار القاضي أبي يعلى وغيره .
والثانية : أنها ثبتت بالنص الخفي والإشارة [ قال ] [8] : " وبهذا قال الحسن البصري وجماعة من أهل الحديث " [9] وبكر بن أخت عبد الواحد [10] ، والبيهسية من الخوارج [11] .
وقال شيخه أبو عبد الله بن حامد [12] : " فأما الدليل على استحقاق [ ص: 488 ] أبي بكر الخلافة دون غيره من أهل البيت والصحابة فمن كتاب الله وسنة نبيه " .
قال : " وقد اختلف أصحابنا في الخلافة : هل أخذت من حيث النص أو الاستدلال ؟ فذهب طائفة من أصحابنا إلى أن ذلك بالنص ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك نصا ، وقطع البيان على عينه حتما . ومن أصحابنا من قال إن ذلك بالاستدلال الجلي " .
قال ابن حامد : والدليل على إثبات ذلك بالنص أخبار .
من ذلك ما أسنده البخاري ، عن جبير بن مطعم ، قال : أتت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن ترجع إليه . فقالت : أرأيت إن جئت فلم أجدك ؟ كأنها تريد الموت . قال : " إن لم تجديني فأتي أبا بكر " .
وذكر [ له ] [13] سياقا آخر [14] وأحاديث أخر . قال : وذلك نص على إمامته " .
[ ص: 489 ] قال : وحديث سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " [15] .
قال : [16] " وأسند البخاري ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول [17] بينا أنا نائم [18] رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها [19] ما شاء الله ، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين ، وفي نزعه ضعف ، والله يغفر له [20] ، ثم استحالت غربا فأخذها عمر بن الخطاب فلم أر عبقريا يفري فريه [21] ، حتى ضرب الناس بعطن [22] " قال : " وذلك نص في الإمامة " .
[ ص: 490 ] قال : " ويدل عليه ما أخبرنا أبو بكر بن مالك ، وروى عن مسند أحمد ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة [23] ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما : " أيكم رأى رؤيا ؟ " فقلت : أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزانا دلي من السماء ، فوزنت بأبي بكر فرجحت بأبي بكر ، ثم وزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر ، ثم وزن عمر بعثمان فرجح عمر بعثمان ، ثم رفع الميزان . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافة نبوة ، ثم يؤتي الله الملك لمن [24] يشاء [25] " .
[ ص: 491 ] قال : " وأسند أبو داود ، عن جابر الأنصاري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله - صلى الله عليه وسلم - [26] ونيط عمر بأبي بكر ، ونيط عثمان بعمر . " قال جابر : فلما قمنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا : أما الرجل [27] الصالح فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأما نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه [28] .
قال : " ومن ذلك حديث صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله [ ص: 492 ] عليه وسلم - اليوم الذي بدئ [29] به فيه ، فقال : " ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا " . ثم قال : " يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر " . وفي لفظ : " فلا يطمع في هذا الأمر طامع " . وهذا الحديث في الصحيحين [30] .
ورواه من طريق أبي داود الطيالسي ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر لأكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس " [31] . ثم قال : " معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر [32] " . وذكر أحاديث [ ص: 493 ] تقديمه في الصلاة ، وأحاديث أخر لم أذكرها لكونها ليست مما يثبته [33] أهل الحديث .


