الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي يتهمني بالسوء، هل يحق لي مقاطعته؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والدي يعاملنا ووالدتنا بسوء وشر، وأخيرًا اعتدى عليَّ بالضرب في الطريق، واتهمني زورًا وافتراء بأنني أكلم الرجال وأصاحبهم، وكان ذلك في الطريق أمام الجيران والناس، وأنا (والله) لا أفعل ذلك أبدًا، وكان الجيران يقولون له: إنني محترمة، ولا يصدر مني تلك الأفعال أبدًا، وقالوا لي: إنه لا بد لي من الاتجاه لعمل محضر له في قسم الشرطة، ولكنني لم أفعل.

سؤالي هو: أليس هذا قذفًا للمحصنات؟ وهل يجوز لي مقاطعته؟ فأنا لا أستطيع أن أتحدث إليه أبدًا، أنا لا أرغب منه في شيء، ولا أتمنى له شرًا، ولكني لا أريد التعامل معه أبدًا.

(أرجو عدم نشر رسالتي ولا اسمي على صفحتكم الكريمة).

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زهرة .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك بالموقع، ونشكر لك صبرك على والدك، ونهنئك بتوفيق الله تعالى لك أن وفقك لاتخاذ هذا القرار، وعدم الاستجابة لاقتراح الناس عليك بأن ترافعي والدك وتشتكيه إلى أقسام الشرطة، فهذا توفيق من الله تعالى، ونسأل الله تعالى لك مزيدًا من الخير والتسديد والتوفيق.

نحن ندرك -أيتها البنت العزيزة- مدى الألم الذي تعيشينه، بسبب سوء تصرفات والدك، ولا شك أنه مُسيء بما يفعل، ولا ريب، ولكننا في الوقت نفسه نذكّرك أن هذا الابتلاء الذي وقعت فيه، وهذا القدر الذي قدّره الله تعالى عليك، إنما قدّره سبحانه ليكون سببًا -بإذن الله- إلى مزيد من الخيرات وزيادة الأجر لك، فقد يبتلي الله -سبحانه وتعالى- الإنسان بالخير، ويبتليه بالشر، ويكون في كلا الحالين باطن ذلك الابتلاء خيرًا لهذا الإنسان وزيادة أجر، وكما قال الشاعر:
قد يُنعِم الله بالبلوى وإن عظمت *** ويبتلي الله بعضَ القوم بالنِّعمِ

فابتلاؤك بهذا الوالد، واختبارك بالصبر عليه، لا شك أنه أمرٌ محزن، وشيءٌ تكرهه النفس، ولكن كوني على ثقة من أن وراء هذا الابتلاء رحمة كبيرة، والله تعالى أرحم الراحمين، نقول هذا كله -أيتها البنت العزيزة- حتى يكون محفزًا لك ومعينًا على الصبر، فإن الصبر مُرّ ولكن عواقبه جميلة، وقد قال الشاعر:
الصبر مثل اسمه مُرٌّ مذاقته *** لكن عواقبه أحلى من العسل

فنوصيك بأن تصبري، وأن تتحملي ما قد يأتيك من إساءة من والدك، وأكثري من الدعاء له بالخير والهداية والرجوع إلى الرشد والصواب، وعامليه بالإحسان بقدر استطاعتك، فإن الله -سبحانه وتعالى- أمر الولد بالإحسان للوالد، مهما كانت إساءة هذا الوالد، فقد قال الله في كتابه الكريم وهو يتكلّم عن الوالدين: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] فأمر بمصاحبتهما بالمعروف، رغم شدة الإساءة الواصلة من الوالد؛ لأنه يُجاهد ولده ليكفر بالله -تعالى- ويكون من أصحاب النار خالدين فيها، ومع ذلك قال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، لا تُطعه في معصية الله، ولكن لا تُقصِّر في مصاحبته بالمعروف.

ولهذا نقول -أيتها البنت العزيزة-: لا يجوز لك أن تهجري والدك، وتتركي الكلام معه والسلام عليه، والقيام بحقه بالمعروف، والإحسان إليه في حدود المعروف، لا تتركي هذا، فهذا فرض عليك، وإذا فعلته وتغلّبت على مشاعرك، فإن الأجر يعظم ويزيد، لأنه كما قال الرسول ﷺ: «أجرك على قدر نصبك» أي على قدر تعبك.

فاستحضري هذه المعاني لتكون معينة على القيام بحق الوالد، ولا تفكري أبدًا في اتخاذ هذا القرار، وهو المقاطعة والهجر الكامل للوالد، ولكن يجوز لك أن تقتصري على ما تعارف الناس عليه من الصلة بين الولد والوالد؛ فإن كان بمكالمة اتصال هاتفية في عرف الناس، فهذا يكفي، وإن كان أكثر من ذلك أو أقل، اتّبعي في ذلك عادة الناس وعرفهم في التواصل بين الأبناء وآبائهم، ويجوز لك أن تتركي المخالطة التي فيها مضرة عليك، فاللقاءات التي قد تكون سببًا لوصول مضرة أو إساءة إليك، هذا النوع من الخلطة والاقتراب، يجوز لك أن تتركيها دفعًا للضرر عليك.

فاجتهدي، وحاولي أن تقاربي بين الأمور، واحتسبي كل ما تفعلينه لله تعالى، وستجدين ثواب ذلك في ميزان أعمالك، وسيجعله الله تعالى سببًا في صلاح أحوالك في الدنيا، وبابًا من أبواب السعادة بإذنه سبحانه.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً